على خلق عظيم حتى في مزاحه وضحكه صلى الله عليه وسلم
اخوتي في الله حياكم الله جميعا
نظرا الى ما أراه اليوم من حال المسلمين وموقفهم من المزاح والضحك بين مغال فيه تماما على أي طريقة وأي شكل وفي أي وقت لأقول له توقف وتعرف على سنته صلى الله عليه وسلم في مزاحه وضحكه واضبط نفسك حتى لا تهلك
وبين معرض تماما عن المزاح والضحك فأقول له توقف ان كنت تعتبره نقصا فإن خير خلق الله صلى الله عليه وسلم كان يمزح ويضحك وليس عرض هذا الجانب من حياته صلى الله عليه وسلم للعرض فقط أو مجرد معلومة وإنما لنتخذ قرار بمطابقة مزاحه صلى الله عليه وسلم بمزاحنا كما وكيفا مفْرط أو مُفَرط ولنستخرج الفوائد المراد تطبيقها في حياتنا ولا أرى الاطلاع على سيرة خير البشر الا من هذا المنظور، بداية:
المزاح هو عبارة عن الملاطفة بحد معين بحيث لا يؤدى الى أذى فإنه اذا أدى الى أذى فأنه يكون شىء آخر كالسخرية
وقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يمزح وقد روى الترمذى فى كتاب الشمائل المحمدية عن أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له (يا ذا الأذنين) وطبعا ليس المقصود سخرية وواضح ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يمازحه ولا يسخر منه لان ليس مجال للسخرية فان كل انسان له أذنين
وعن أبى هريرة قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا فقال صلى الله عليه وسلم (نعم غير أنى لا أقول الا حقا)، وهذا أول أدب سنتعرض له لانتشاره في مزاح المسلمين وكأن ليس عندهم الا الكذب ليضحكوا به
عن أنس بن مالك أن رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني حاملك على ولد ناقة فقال يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم وهل تلد الإبل إلا النوق
استحمل أى طلب منه دابة ليركب او يُحمل عليها
و رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلا دميما فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَيَبِيعُ مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ فَقَالَالرَّجُلُ أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُبِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُوَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْيَشْتَرِي الْعَبْدَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِيكَاسِدًافَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بكاسدأَوْ قَالَ لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ
أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : ( يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز ) . قال : فولت تبكي . فقال : ( أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول : إنا أنشأناهن إنشاء . فجعلناهن أبكارا . عربا أترابا )
وعن عائشة قالت كان عندى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودا فصنعت شىء من الطعام وقالت لسودا كلى فقالت لها لا أحبه أى لا تحب هذا النوع من الطعام، فظنت عائشة انها قالت لا تحبه لانها لا تريد ان تأكل من صنع يديها او نفرت من صنعها فقالت والله لتأكلين أو لألطخن وجهك فقالت ما أنا بباغيه، فجاءت عائشة يشىء من الصحفة فلطخت به وجهها ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فخفض النبى صلى الله عليه وسلم لسودا ركبتيه لتستقيد من عائشة او تفعل معها نس الشىء فتناولت من الصحفة شىء فمسحت به وجه عائشة، وجلس النبى صلى الله عليه وسلم يضحك
وكذلك مزح صلى الله عليه وسلم مع محمود بن ربيع ومج مجة من دلو من ماء فى وجهه، فمازحه بها
ولكن نريد أن نبدأ وقفات سريعة جدا مع مزاحنا اليوم وكم يطابق آداب مزاح النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه كله أدبا حتى مزاحه بأبي هو وأمي ونفسي صلى الله عليه وسلم
وقال النبى صلى الله عليه وسلم مبينا شىء ايضا مما لا يجوز فى المزاح او غيره فقال(لا يحل لمسلم أن يُروع مسلما)
فى سنن ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علقمة بن مجزز على بعث وأنا فيهم فلما انتهى إلى رأس غزاته أو كان ببعض الطريق استأذنته طائفة من الجيش فأذن لهم وأمر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي فكنت فيمن غزا معه فلما كان ببعض الطريق أوقد القوم نارا ليصطلوا أو ليصنعوا عليها صنيعا فقال عبد الله وكانت فيه دعابة أليس لي عليكم السمع والطاعة قالوا بلى قال فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه قالوا نعم قال فإني أعزم عليكم إلا تواثبتم في هذه النار فقام ناس فتحجزوا فلما ظن أنهم واثبون قال أمسكوا على أنفسكم فإنما كنت أمزح معكم فلما قدمنا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه
وهذا من المزاح الذى ليس فى محله وفيه ترويع وكما علق النبى صلى الله عليه وسلم امر بمعصية ولو على سبيل المزاح، وهذا يحدث في مزاحنا كثيرا اليوم.
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم أنه زعيم ببيت فى الجنة لمن ترك الكذب ولو كان مازحا) وزعيم أى ضامن
وقد وصلنا الى مرحلة لا نجيد ولا نحسن فيها المزاح إلا بالكذب الا من رحم ربي وأنتم تعلمون هذا
وأيضا المزاح المباح هو الذى لا يكون فى نميمة ولا غيبة ولا انهماك فيه يذهب الحشمة ولا فحش وقذف ولا سب ولا تجاوز للحدود يخدش الحياء ولا مبالغة تُسقط هيبة المسلم ووقاره يعنى مثلما نقول بأنه لا يجب على المسلم ان يكون عبوسا بحجة الزهد والوقار والالتزام لأن النبى صلى الله عليه وسلم نفسه وهو أشرف الخلق وأوقرهم كان يمزح فلا ينبغى أيضا مجاوزة الحد فى هذا الأمر الى الدرجة او بالألفاظ التى تذهب لوقار وترفع الحدود بين الاخوة وبعضهم، فقال البعض ان المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب والمقصود المبالغة فى الكم أو الكيف
او بأن تكون أيضا سمة فى المسلم فلا ينبغى أن تكون سمة فى انسان ان فلان هذا من أجل المزاح او نأتى به فى المجلس ليضحكنا، بل له أن يكون خفيف الظل يروح عن نفسه واخوته ولكن لا تكون هذه شغله الشاغل ولا أن يتخذها مهنة مثلا، وهناك ايضا من طريف المقولات انه من قل عقله كثر هزله وهذا يدل انه من يبالغ بالكم فى المزاح ولا يعرف ان يدير حوار الا فى المزاح والهزل فان هذا دليل على قلة عقله
يعنى انا عندى هنا مقولة احد الحكماء لولده أعجبتنى هى تعد ضابط فى المزاح فيقول احدهم لابنه (اقتصد فى مزحك فإن الافراط فيه يذهب البهاء ويُجرأ السفهاء وإن التقصير فيه يغض عنك المؤانسين ويوحش منك المصاحبين)
وهذا معناه ان تكون وسط لا تكثر فى المزاح بحيث تكون عرضة لان تتجرأ عليك كل أحمق سفيه لانه ستذهب هيبتك بكثرة المزاح ولا تفرط فى مسألة الهيبة هذه بحيث تطفى عليك كآبة بدلا من الوقار فان الوقور يحترمه الناس ولكن العبوس يكرهه الناس ولا يستأنسوا به فلو كان له علاقة بالوقار ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يمزح مع أصحابه، فلا تكره فيك اخوانك خوفا من ذهاب الوقار عنك، فاما يسئم الناس مجلسك او يتصوروا انك لا تحبهم او يقع فى انفسهم انك مغرور فيعرضوا عنك ويحدث بينك وبينهم وحشة
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن فقال أبوهريرة فقلت أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعد خمسا وقال اتق المحارم تكن أعبدالناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ماتحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب
فإن من يَتَّخِذ الْمِزَاحَ حِرْفَةً , وَيواظب عَلَيْهِ وَيُفْرِطَ فِيهِ ثُمَّ يَتَمَسَّكُ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهُوَ كمن يدور مع الزنوج أَبَدًا لِيَنْظُرَ إِلَى رَقْصِهِمْ , وَيتمسك بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُون)
كالمسرحيات الكوميدية التى يذهب اليها الانسان ليضحك تخيل ان مسلم ينزل من بيته مشوارا قاصدا فيه الضحك فقط ويكون له مجلس أربع ساعات مثلا من أجل الضحك فقط، فيخرج وهو قلبه ميت بعد هذا المجلس الطويل المنقطع فيه عن ذكر الله ويضحك فقط وهو الذى تكلف المال والوقت والجهد وجعل الضحك هدفا فى ذاته فتكون النتيجة ران على القلب غير انه استخدم وسيلة غير شرعية ايضا فى هذا الضحك
وكل هذا كما بينا منافي لسنته صلى الله عليه وسلم في الضحك
وجاء فى صحيح مسلم عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان طويل الصمت قليل الضحك
فى الصحيحين عن عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم
امزح واضحك وابتغي الأجر حتى في مزاحك
وهذا أولا يكون باتباع ما سبق من سنن النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في المزاح
ومع تجديد نيتك أنك تمزح ابتغاء الأجر من الله تعالى