{لا يوم كيومك يا رسول الله } صلى الله عليه وسلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد
أعظم مصيبة مرت على أمتنا هي مصيبتنا في حبيبنا وقرة أعيننا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .. فهنا والله تسكب العبرات .. فلا يوم كيوم فراقك يا حبيبي يا رسول الله
وللمصائب سلوان يهونها ......................... وما لما حل بالإسلام سلوان
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم – أنه قال:
((أن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد من مصيبتي))
يعني مصيبته بموتي، رواه ابن ماجة.
اصبر لكل مصيبة وتجلد............................. واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا أتتك مصيبة تشجى بها........................فاذكر مصابك بالنبي محمد
نعم إذاً! كانت الجمادات تتصدع من ألم مفارقة رسول الله – فكيف بقلوب المؤمنين؟!.
لما فقده الجذع الذي كان يخطب إليه النبي عليه الصلاة والسلام – قبل اتخاذ المنبر حنَّ إليه، وصاح كما يصيح الصغير حتى تصدع وانشق، فنزل النبي –صلى الله عليه وسلم - من على المنبر فاعتنقه، فجعل يهدؤه كما يهدئ الصبي،
وقال: ((لو لم أعتنقه لحنّ إلى يوم القيامة)).
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة....................حتى المنابر ترثي وهي عيدان
كان الحسن إذا حدث بهذا بكى، وقال:
هذه خشبة تحن إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم - فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
جعل النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره يعرض باقتراب أجله. فإنه لما خطب في حجة الوداع، قال للناس:
((خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)).
وطفق يودع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه– قال:
خرج رسول الله في مرضه الذي مات فيه وهو معصوب الرأس، فقام على المنبر فقال:
((إن عبدا عرضت عليه الدنيا وزينتها، فاختار الآخرة))
فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر –رضي الله عنه - فقال: بأبي وأمي، بل نفديك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا يا رسول الله. ثم هبط رسول الله من على المنبر، فما رئي عليه حتى الساعة))
ورأى العباس بن عبد المطلب –رضي الله عنه - عم النبي –صلى الله عليه وسلم- في المنام كـأن الأرض تنزع إلى السماء بأشطان شداد – يعني حبال – فقصها على رسول الله –صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ذاك وفاة ابن أخيك))
رواه الطبراني
كل هذا توطئه لوفاة النبي بدأ المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت عائشة – رضي الله عنها – ما رأيت أحدا كان أشد عليه الوجع من رسول الله –
لما ثقل النبي –صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه الكرب، قالت فاطمة – رضي الله عنها-: واكرب أبتاه! فقال لها: ((لا كرب على أبيك بعد اليوم))
ولم يقبض رسول الله-صلى الله عليه وسلم - حتى خير بين الدنيا والآخرة، غشي عليه ساعة، وهو على فخذ عائشة – رضي الله عنها – وكانت تنظر إليه متحيرة حبيبها بين يديها يموت،
ولا تملك له نفعا، ولا تدفع عنه ضرا.
ثم أفاق، فاشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال: ((اللهم الرفيق الأعلى))
. فاختار لقاء ربه. وأصابته بحة شديدة، وقال:
" مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً " [النساء:69]. اختار رسول الله – صلى الله عليه وسلم الآخرة على الدنيا، وأحب لقاء ربه.
قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه -:
نعي إلينا حبيبنا ونبينا – بأبي هو ونفسي له الفداء – قبل موته بست، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت آمنا عائشة – رضي الله عنها – فنظر إلينا فدمعت عيناه.
رواه البزار
حق والله لتلك العينين أن تدمع، إنها صعوبة الفراق والنأي عن الأحباب.
ومدت أكف للوداع تصافحت......................وكادت عيون للفراق تسيل
وروي أن ملك الموت استأذن النبي صلى الله عليه وسلم– في قبض روحه، فقال:
((امضِ لما أمرت به))
" كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " [آل عمران:185]. إن في الله عزاء من كل مصيبة.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها :
لم يُقبض نبي حتى يريه الله تعالى مقعده في الجنة، تقول : فرأيتُ الرسول صلى الله عليه و سلم قد أغمض عينيه و رفع يده إلى السماء ففهِمتُ أنه يقول ربي، أريد ربي، هنا دخلت فاطمة فرات أباها في النَّزع فقالت :
وا كرب أبتاه، فقال صلى الله عليه وسلم : لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، ثم قبض روحه ملك الموت.
واشتد عليه الوجع ليلة الاثنين، وكان عنده قدح من ماء، فيدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء، تقول عائشة : فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه بين صدري و نحري و طلب شيئاً من الماء وضعه على شفتيه وكان يقول:
((لا إله إلا الله، وإن للموت لسكرات))
و بدأ ينزع عليه الصلاة والسلام، وأنا أنظر إليه ما أدري ما الأمر، فإذا به يثقل ويثقل ونظرت فإذا هو قد شَخَصَ ببصره إلى السماء فعرفتُ إنه قد قُبِض، فوضعتُ رأسه الشريف صلى الله عليه وسلم وخرجتُ وأنا أبكي فاستقبلني الناس وكان عمر على الباب، فلمّا سمع خُبِلَ وجاءت النساء فرأوا الرسول صلى الله عليه وسلم شاخصاً، فإذا برجل يصيح من باب المسجد :
وا رسول الله!!!
فسمع أبو بكر الصوت على بُعْدٍ من المدينة، فإذا به يركض مُتَّجهاً إلى المسجد و هو يهُدُّ الأرض هدَّاً و يصل إلى المسجد..
فجاء الصدِّيق، فدخل على الرسول صلى الله عليه و سلم و عيناه تنهمران و زفراته تتردد و كان قد غُطّيَ وجهه الكريم صلى الله عليه و سلم، فجلس على ركبتيه و كشف عن وجه صاحبه و مسحه و جعل يبكي ويقول :
" بأبي أنت و أمي يا حبيبي، طِبتَ حيّاً و ميتاً، لقد انقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحدٍ من الأنبياء، جللتَ يا حبيبي عن البكاء و لو أنّ موتك كان اختياراً لَجُدنا لموتك بأرواحنا، يا حبيبي يا رسول الله، لولا أنّك نَهَيتنا عن البكاء لأنفدنا عليك ماء العيون لا يبرحان بنا إلى أن نلقاك بأبي أنت و أمي يا رسول الله ..
ثم دخل أبو بكر إلى المسجد و عمر يجول كالأسد و لا يرضى أن يقول أحد بأنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مات .
فصعد على المنبر و قال : إليَّ إليَّ أيها الناس، فاجتمعوا حول الصدِّيق، فقال رضوان الله تعالى عليه :
" أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أنّ محمداً عبده و رسوله، و أشهد أنّ الكتاب كما نُزِّل، و أنّ الدين كما شُرِّع، و أنّ الحديث كما حُدِّث، و أنّ الله هو الحق المبين .
أيها الناس من كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات، و من كان يعبد الله فإنّ الله، حيّ لن يموت، إلا أنّ الله تعالى قبضه إلى ثوابه و خلَّف فيكم كتابه و سنَّة نبيِّه، فمن أخذ بهما عُرِف، و من فرَّق بينهما أنكر، و لا يشغلنَّكم الشيطان بموت نبيِّكم، و لا يلفتنَّكم عن دينكم " .
فلمّا فرغ من خطبته قال : يا عمر أنت تقول أنّ النبي صلى الله عليه و سلم ما مات ! قال : نعم يا أبا بكر . فقال أبو بكر : أنسيت قول الله تعالى