في حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه أنس - رضي الله عنه - قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه). وأنا أعلم أن هناك آيات من القرآن من بينها: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]. كيف نوفق بين هذه الآية وبين ما في ذلكم الحديث؟
لا منافاة بين الحديث والآيات، فكون الإنسان يبسط له في الرزق، وينسأ له في الأجل بسبب صلة الرحم ، أو بسبب بر الوالدين لا يمنع قوله تعالى: وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا [(11) سورة المنافقون]. فالمعنى أن الله - جل وعلا - يجعل صلة الرحم ، ويبر والديه من أسباب تأخير أجله في الأجل السابق والقدر السابق، فالله - جل وعلا - يعلم أن هذا يصل رحمه ويبر والديه، فلهذا أجل له زيادة في العمر، وفسح له في العمر ، وذاك يقطع رحمه ، ويعق والده ، فلن يفسح له في العمر ، وجعل عمره كذا ، لحكمة بالغة، وقد يطول عمر هذا العاق وعمر هذا العاق ، ويعجل أجل المطيع لأسبابٍ أخرى ، وحكمة بالغة من الله -سبحانه وتعالى -، وفي الحديث الصحيح : (لا يرد قدره إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر) يعني بر الوالدين، فهو من جنس حديث أنس: (من أحب أن يبسط له في رزقه). يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (من أحب أن يبسط له في رزقه ،وينسأ له في أجله ، فليصل رحمه). وصلة الرحم وبر الوالدين وكثرة الدعاء بطول الحياة على خير من أسباب تأخير الأجل فيما مضى في علم الله، ليس معناه أن هذا قد كتبه الله يموت في كذا ثم أُخَّر، لا. المقصود أن الله - جل وعلا - جعل بر هذا لوالديه، وصلته لأرحامه ، وكثرة دعائه من أسباب تأخير أجله الذي مضى به علم الله، فعلم الله لا يتغير ، ولا يعقبه جهل ، ولا يسبقه جهل، بل علم الله شامل - سبحانه وتعالى - ، لا يعتريه جهل ولا نقص، فهذا إذا جاء أجله تمت حياته والآخر كذلك ، والآخر كذلك، وكلٌ له أسبابه، هذا أطيل في أجله لبره وصلة رحمه وكثرة دعاءه، وهذا عجل له الأجل لأسبابٍ أخرى، وهذا مد له في الأجل لأسبابٍ أخرى ، فربك حكيم - جل وعلا -، وليس هناك منافاة بين الأسباب ؛ لأن الآجال معلقة بأسبابها، والأرزاق معلقة بأسبابها ، والله هو المقدر لهذا ولهذا - سبحانه وتعالى -.