صيانة الإسلام للمرأة
للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
إنَّ نعمة الله على المرأة المسلمة عظيمة ، ومنَّته عليها كبيرة جسيمة ، حيث هيأ لها في الإسلام أسباب سعادتها وصيانة فضيلتها وحراسة عفتها وتثبيت كرامتها ودرء المفاسد والشرور عنها ؛ لتبقى زكية النفس طاهرة الخلق منيعة الجانب مصونة عن موارد التهتك والابتذال محميةً عن أسباب الزيغ والانحراف والانحلال .
نعم لقد أكرم الإسلام المرأة المسلمة أعظم إكرام وصانها أحسن صيانة وتكفل لها بحياة كريمة ؛ شعارها الستر والعفاف ، ودثارها الطهر والزكاء ، ورايتها إشاعة الأدب وتثبيت الأخلاق ، وغايتها صيانة الشرف وحماية الفضيلة ، وستبقى المرأة المسلمة رفيعة الجانب عزيزة المنال صيِّنة الأخلاق ما دامت متمسكةً بدينها محافظةً على أوامر ربها مطيعةً لنبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلِمةً وجهها لله مذعنةً لشرعه وحكمه بكل راحة وثقة واطمئنان ، غير ملتفتة إلى الهمل من الناس من دعاة الفاحشة والفتنة { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27] .
إنَّ المرأة المسلمة في هذه الأزمان تتعرض لهجماتٍ شرسة ومؤامراتٍ حاقدة ومخططاتٍ آثمة تستهدف الإطاحة بعفَّتها وهتك شرفها ودكَّ كرامتها ووأد فضيلتها وخلخلة دينها وإيمانها وإلحاقها بركب العواهر والفاجرات ؛ وذلك من خلال قنواتٍ فضائيةٍ مدمرة ، ومجلاتٍ خليعةٍ هابطة ، وشَغْلها بأنواعٍ من الألبسة الكاسية العارية ، وتهييج قلبها إلى حبِّ التشبه بغير المسلمات ممن يمشين على الأرض دون إيمانٍ يردع أو خُلقٍ يزع أو أدبٍ يمنع ، وجرِّها من وراء ذلك إلى منابذة الشريعة وجرِّ أذيال الرذيلة والبُعد عن منابع العفة والفضيلة ؛ لا مكَّنهم الله مما يريدون.
ولقد دلت النصوص الشرعية أنَّ الفتنة بالمرأة إذا وقعت ترتَّب عليها من المفاسد والمضار وسوء العواقب ما لا يُدرك مداه ولا تُحمد عقباه . فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ )) [1] ، وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : ((فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ )) [2]. وقال عليه الصلاة والسلام : ((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ )) [3] أي اتخذها غرضاً له لتهييج الفاحشة وإشاعة الرذيلة وفتْنِ الرجال بها ، لاسيما إذا خرجت متجملة متعطرة مزيَّنة ، مظهرةً لبعض مفاتنها مبديةً لبعض محاسنها فهنالك يعظم الشر ويتزايد الفساد .
ومن يتأمَّل التاريخ على طول مداه يجد أنَّ من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفكّك المجتمعات وتحلّل الأخلاق وفساد القيم وفشو الجرائم هو تبرُّج المرأة ، ومخالطتها للرجال ، ومبالغتُها في الزِّينة ، وخلوتُها مع الجانب ، وارتيادُها للمنتديات والمجالس العامة وهي في أتمِّ زينتها وأبهى حلَّتها وأكمل تعطّرها.
والإسلام لم يفرض على المرأة الحجاب ولم يمنعها من تلك الأمور إلاَّ ليصونها عن الابتذال ، وليحميها من التعرّض للرِّيبة والفحش ، وليمنعها من الوقوع في الجريمة والفساد ، وليكسوها بذلك حلَّة التّقوى والطّهارة والعفاف ، وتسدَّ بذلك كلَّ ذريعة تفضي إلى الفاحشة . قال الله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب:33] ، وقال تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب:53] ، وقال تعالى : {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } الآية [النور:31] ، وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَايُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الأحزاب:59] . إلى غير ذلك من النصوص العظيمة التي تهدف إلى صيانة المرأة المسلمة وتحقيق عفتها وحفظ كرامتها وإبعادها عن أسباب الشر وبذور الفتن .
فنسأل الله الكريم أن يحفظ نساءنا ونساء المسلمين من كل شر وبلاء ، وأن يجنِّبهن الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يردَّ كيد من أراد بهن شراً في نحره ، إنَّه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
*********
________________[1] رواه البخاري (5096) ، ومسلم (2740)[2] رواه مسلم (2742) .[3] رواه الترمذي (1173) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (936) .