إن اعتقاد المعلم بوجود تفاوت في فرص نجاح طلابه يؤثر بالطبع في تصرفاته معهم، وهذه التصرفات تؤثر بدورها في تحصيلهم. فإذا اعتقد المعلم أن في استطاعة طلابه النجاح، فإنه سيميل إلى التصرف بطريقة تساعدهم على هذا النجاح. وبنفس القدر، يمكن القول إنه إذا اعتقد أن طلابه لن ينجحوا، فإنه سيميل إلى التصرف معهم بشكل يعرقل نجاحهم، أو على الأقل لا يسهل لهم طريق النجاح. وربما يكون هذا هو أحد الديناميكيات القوية الخفية للتدريس، لأنها نشاط غير واع.
يدرك كل معلم أن له آراء مختلفة حول قدرات طلابه في حجرة الصف. وهو كإنسان، يكون من الصعب عليه ألا تكون لديه مثل تلك الآراء، ولكنه يدرك أن آراءه هذه يمكن أن تؤثر في الطريقة التي يتصرف بها تجاه طلابه. ولمواجهة التأثير السلبي المحتمل من تصرفاته تلك، فإنه يسأل نفسه باستمرار السؤال الآتي، خاصة عندما يتعامل مع الطلاب الذين لديه شك في فرص نجاحهم في الفصل: إذا كنت أعتقد أن هذا الطالب عاجز تمامًا على تعلم وإدراك هذا المحتوى، فماذا عليّ أن أفعل؟
يكون هذا السؤال بمثابة آلية تصحيحية له، وهو مدهوش كيف أن هذا النهج يقدم توضيحًا لتفاعلاته مع الطلاب. وعلى الدوام، يلاحظ أنه مع بعض الطلاب يميل إلى التعامل مع أكبر عدد منهم - بغض النظر عن كيفية إجاباتهم عن الأسئلة التي يطرحها - لأنه ببساطة يعتقد أنهم قادرون على إظهار الأفضل دائمًا، فهو يتفحص إجاباتهم، ويطلب منهم أن يوضحوا المزيد، ويبقى معهم حتى يقدموا إجابات كاملة. لكنه مع طلاب آخرين، يميل إلى التراجع، وعدم التحقق من فهمهم، لأنه يعتقد أنهم لا يستطيعون الوصول إلى مستويات عليا من التحصيل.
هناك عدد من الطرق التي تتناول كيفية توصيل المعلمين لتوقعاتهم، وبأبسط العبارات، يمكن القول: إن هذه النماذج تفترض أن المعلمين في بداية العام يشكلون آراءً وتوقعات حول فرص النجاح الأكاديمي للطلاب، وبناءً على هذه التوقعات، يعامل المعلمون الطلاب ذوي التوقعات العليا (المميزين) بشكل مختلف عن الطلاب ذوي التوقعات المتدنية (المتعثرين). وهذا الاختلاف في التعامل يحدث فيما سماه أمبادي وروزنتال (1992) بدقائق صغيرة في سلوك المعلم وتصرفاته مثل: إيماءة خفيفة، لفتة، أو ابتسامة.. إلخ. ويفسر الطلاب هذه الرسائل المتضمنة في الإيماءات والابتسامات كإشارات لهم بشان كيفية تصرفهم في الفصل. وعلى المستوى العام، هناك فئتان اثنتان لسلوكات المعلمين الدقيقة التي توصل توقعاتهم: اللهجة المؤثرة، ونوعية التفاعل مع الطلاب.
- اللهجة المؤثرة:
تشير اللهجة المؤثرة إلى المدى الذي يصنع فيه المعلم مشاعر إيجابية في الفصل، وترتبط اللهجة المؤثرة بشكل واضح بالسلوك التعاوني. وتوصف كثير من خطوات العمل بأنها مفيدة في إيصال مستوى مناسب من الاهتمام والتعاون، وتوليد لهجة مؤثرة إيجابية. وبشكل عام، يتفاعل المعلمون مع الطلاب المتميزين بطريقة أكثر إيجابية مما عليه الحال عندما يتفاعلون مع الطلاب المتعثرين. ويوضح كوبر (1979) أنه عند العمل مع طلاب مميزين، يميل المعلمون إلى الابتسامات، والنظر أكثر في عيون الطلاب المميزين، وإلى الانحناء أكثر تجاههم. وعمومًا، يمكن القول: إن المعلمين يتصرفون بطريقة أكثر ودية وتأييدًا تجاه الطلاب المميزين.
- نوعية التفاعل مع الطلاب:
واحدة من أكثر الاختلافات تأثيرًا في معاملة المعلمين مع الطلاب المميزين مقابل الطلاب المتعثرين تكمن في نوعية التفاعل، فالمعلمون غالبًا ما يظهرون رغبة في التحقق من إجابات الطلاب المتميزين، أكبر من رغبتهم في التحقق من إجابات الطلاب المتعثرين. علاوة على ذلك، يبدو أن الطلاب المتميزين يجدون فرصًا للتعبير أكبر من تلك التي يجدها زملاؤهم المتعثرون. ووجد أيضًا أن المعلمين ينتظرون وقتًا أقل عند إجابة الطلاب المتعثرين عن الأسئلة، ويجيبون عن أسئلتهم مباشرة أو يطلبون من طلاب آخرين أن يجيبوا عنها، ويعطونهم إجابات مختصرة.
مـا العمــل؟
1- إدراك التوقعات المتفاوتة للطلاب
إن أحد الإجراءات الأولى التي يمكن أن يتخذها المعلم هي أن يكون مدركًا للتوقعات المتفاوتة للطلاب. ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل لأي معلم، أن يغير من تفكيره حول الطلاب، مع أنه من الممكن تمامًا تغيير سلوكه تجاهم، بحيث يتلقى الطلاب جميعًا السلوك نفسه، من حيث اللهجة المؤثرة ونوعية التفاعل. وللقيام بذلك، يمكن للمعلم أن يجري مسحًا ذهنيًا لكل طلابه، محددًا أولئك الذين يتميزون بقابلية عالية للفهم، وذوي القابلية المتوسطة، وذوي القابلية المتدنية. ويمكن أن يتم ذلك بشكل رسمي، أو غير رسمي. المهم هو أن يصبح المعلم واعيًا ومدركًا لأولئك الطلاب الذين لا يتوقع منهم أداء جيدًا لسبب أو لآخر.
ومن المفيد كذلك للمعلم تحديد إذا كان لديه أي تحيز منهجي بشأن الطلاب المتعثرين، وعلى وجه التحديد، ينتبه المعلم إن كان لديه تحيز بسبب انتماء الطلاب العرقي أو بسبب وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي أو ما شابه ذلك. من المهم أن نذكر أنه إذا اكتشف المعلم أحد هذه الأنماط في نفسه، فإن ذلك لا يعني أنه عنصري أو متعصب. فإلى حد ما نجد أن لدى جميع البالغين من الناس أفكارًا مسبقة عن مجموعات الناس وطبقاتهم وأجناسهم، وذلك بسبب أن أولئك البالغين قد تأثروا بالتحيز والتعميم الذي لاحظوه فيمن قاموا بتربيتهم وهم صغار، أو الناس الذين تعاملوا وتفاعلوا معهم وهم أطفال. من الصعب تغيير هذه الأنماط الفكرية، لأنها عبارة عن ردود فعل ترسّخت فيهم على مدى أعوام طويلة.
يمكن للمرء أن يقول إن المتعصب أو العنصري هو شخص يتصرف - بعلم أو بغير علم - وفقًا لهذه الأنماط الفكرية. ومع ذلك، فإن الشخص الذي يسعى بجد ونشاط إلى التصرف بطريقة لا تسيطر عليها تلك الأنماط الفكرية، لا يمكن أن يقال عنه أبدًا أنه متعصب أو عنصري. وتحقيقًا لهذه الغاية، يمكن للمعلم أن يعترف لنفسه بحرية بوجود مثل هذه الأنماط السلبية في تفكيره، أو يحاول التأكد من منشأ هذه السلوكات. على سبيل المثال، قد يكتشف المعلم أنه توقع سلفًا نتائج سلبية لكل الطلاب الذين ينتمون إلى عرق معين، أو الذين ينتمون إلى طائفة اجتماعية معينة. ومجرد الاعتراف بوجود هذه النزعة، يمكن أن يمنحه ذلك قوة لكبت مثل هذه الأنماط الفكرية.
2- العــدل بين الطلاب
بعد تحديد الطلاب المتعثرين، يكون من المفيد للمعلم أن يقضي بعض الوقت في التفكير في معاملته المتباينة بالنسبة للطلاب المتعثرين. فبالنسبة للهجة المؤثرة، ينبغي على المعلم أن يدرس ما إذا كان يعامل الطلاب المتعثرين بشكل مختلف في ما يأتي:
- يتبادل النظر معهم بمعدل أقل.
- يبتسم لهم بمعدل أقل.
- يقترب منهم في الفصل بمعدل أقل.
- يشترك معهم في مزاح أو حوارات لطيفة بمعدل أقل.
وبالنسبة لنوعية التفاعلات، قد يدرس المعلم ما إذا كان يعامل الطلاب المتعثرين بشكل مختلف فيما يأتي:
- يناديهم بأسمائهم بمعدل أقل.
- يطرح عليهم أسئلة صعبة بمعدل أقل.
- لا يخوض بعمق في إجاباتهم.
- يثني على إجاباتهم الصحيحة بمعدل أقل.
وعليه، يجب على المعلم أن يحرص على أن يتلقى طلابه المتعثرون إشارات لفظية وغير لفظية منه تعبر عن التقدير والاحترام، فيتبادل النظر معهم، ويبتسم في وجوههم بين الحين والحين، ويتواصل معهم بشكل مناسب، مثلاً أن يضع يده على كتف أحدهم، أو يقترب منهم (مكانيًا) دون أن ينتهك خصوصيتهم الشخصية، أو يمزح معهم أو يشترك معهم في حوارات لطيفة بين الحين والآخر.
3- اطرح بعض الأسئلة على الطلاب المتعثرين:
عندما يطرح المعلم أسئلة معينة، فإنه من المألوف أن ترفع مجموعة صغيرة من الطلاب أيديها، ليتطوعوا للإجابة. ومما يؤسف له، أن الطلاب المتعثرين عادة لا يتطوعون للإجابة، خاصة عندما تكون الأسئلة صعبة. وللتصدي لهذا الميل، يمكن أن يطبق المعلم أسلوبًا يقضي بسؤال الطلاب الذين لا يرفعون أيديهم. فمثلًا يأخذ المعلم ملاحظات خاصة عن طلابه المتعثرين في خريطة مقاعد الفصل، ويسجل علامة معينة بجوار اسم الطالب الذي يطرح عليه السؤال. وبهذه الطريقة يتأكد المعلم أن الدور سيأتي على جميع الطلاب، ولن يتجاوز أحدًا منهم. وعندما يجيب أحد الطلاب المتعثرين عن سؤال ما بشكل خاطئ، أو غير مكتمل، ينبغي على المعلم أن يكرّس معه وقتًا أكثر، كما يفعل مع الطلاب المتميزين. ولكي نوضح ذلك، نفترض أن معلم الرياضيات قد سأل أحد الطلاب المتعثرين هذا السؤال: «قل لي، كيف يختلف الوسط الحسابي عن الوسيط والمنوال؟» ويجيب الطالب قائلًا: «الوسط الحسابي هو ناتج مجموع القيم مقسومٌ على عددها، بينما الوسيط هو القيمة التي تتوسط القيم بعد ترتيبها ترتيبًا تصاعديًا أو تنازليًا. أما المنوال فهو القيمة التي لا تتكرر أبدًا». ويعود المعلم ليسأل الطالب: «أخبرني كيف تتشابه هذه المسميات بعضها مع بعض؟» فيجيب الطالب: «لأن كلًا منها يحاول أن يصف نقطة تجمع مشاهدات التوزيع». ونتيجة لهذه المناقشة، يكتشف المعلم كيفية تفكير الطالب، ويستطيع بذلك أن يعلّق على ما هو صحيح، وما هو غير صحيح، فيقول: «حسنًا، لقد وصفت الوسط الحسابي والوسيط بدقة، وهذا جيدٌ جدًا.. لكن تعريفك للمنوال لم يكن كذلك، ولكن دعنا نعود إلى المنوال. أخبرني ماذا تتذكر عنه؟».
هذا النوع من النقاش والتفاعل يتيح للمعلم أن يقرّ بما يعرفه الطالب، وأن يغوص بعمق في ما لا يفهمه. وأخيرًا يمكن القول: إن مثل هذه التفاعلات تنقل رسالة إلى الطالب مفادها أن «تفكيره له قيمة».
4- أظهر امتنانك لإجابات الطلاب المتعثرين:
عندما يجيب طالب ما على سؤال أمام زملائه، فإنه يضع نفسه في موقف المجازفة. ويستطيع المعلم - بل ينبغي عليه - أن يأخذ وقتًا كافيًا ليشكر الطالب على إجابته أمام بقية الطلاب، مثل قوله له: شكرًا لك على إجابتك عن هذا السؤال، لم يكن سؤالًا سهلًا، أو: لقد أحسنت صنعًا إذ أجبت عن أصعب الأسئلة هذا اليوم.
5-أعد صياغة السؤال:
إذا وجد الطالب المتعثر صعوبة في الإجابة عن سؤال ما، يمكن للمعلم أن يعيد صياغة السؤال في أسلوب آخر، أو أن يجد سؤالًا أكثر بساطةً، لكنه يحمل نفس مضمون السؤال الصعب. على سبيل المثال؛ كان معلم الرياضيات قد سأل: «كيف يختلف الوسط الحسابي عن الوسيط والمنوال؟»، فإذا أجاب الطالب بقوله: «لا أعرف»، على المعلم أن يعلق ردًّا على هذه الإجابة بقوله: «حسنًا، جيمس.. إذن أخبرني ماذا تعرف عن الوسط الحسابي؟ هذه أول معلومة درسناها في الإحصاء. ماذا تتذكر عنه؟؟» وبتفكيك السؤال، إلى أجزاء صغيرة وبسيطة، يتيح المعلم الفرصة للطالب، لعرض ما يعرفه.
6- أمهل الطالب بعض الوقت:
إذا أصيب الطالب بالحرج، أو الارتباك أثناء إجابته على سؤال المعلم، من المستحسن إعطاؤه بعض الوقت، كي يستجمع نفسه. ويفعل المعلم ذلك بأن يخبر الطالب بأنه سيعود إليه لاحقًا: «مارك.. سأعطيك مهلة كي تفكر.. وسأعود إليك مرة أخرى». وعندما يعود إليه يطرح عليه سؤالًا آخر يكون أسهل من سابقه، أو يمكن أن يطرح عليه نفس السؤال مرة أخرى. لكن هذه المرة يكون الطالب قد استفاد من سماع إجابات الطلاب الآخرين واستفاد كذلك من الزمن الإضافي الذي أعطي له للتفكير في الإجابة. وهناك تعديلٌ يمكن أن يقوم به المعلم بشكل فكاهي، يتمثل في أن يدعو الطالب زميلًا له ليجيب نيابة عنه على غرار البرنامج التلفزيوني «من سيربح المليون؟».. ويقوم الطالب باختيار طالب آخر بالفصل ليجيب على السؤال نيابة عنه، ومع ذلك يعود المعلم إلى الطالب الأول بسؤال آخر يتضمن احتمالًا كبيرًا بالإجابة.
خلاصـة:
ينبغي على المعلم وضع توقعات لنجاح جميع طلاب الفصل، ثم يتصرف بعد ذلك بطريقة تتفق وهذه التوقعات. وينبغي عليه أن يكون على علم بالإجراءات، التي يمكنه اتخاذها، لتجنب معاملة الطلاب المتعثرين على نحوٍ مختلفٍ عن معاملته للطلاب المتميزين، من حيث اللهجة المؤثرة. كما ينبغي أن تكون له استراتيجيات لضمان الاتساق والتوافق، من حيث نوعية التفاعل مع الطلاب المتعثرين، خاصة فيما يتعلق بالأسئلة.
مقال مترجم
مجلة المعلم