حقا النوم سلطان، فمن منا لم يقهره النوم بعد أن ظل مستيقظا لفترة طويلة في عمل أو استذكار، أو حتى لهو ولعب؟.
لقد أظهرت الدراسات المتعاقبة أن النوم بعمق لمدة 7 إلى 8 ساعات يومياً بالليل، يقوي جهاز المناعة لدى الإنسان؛ ويجعله أكثر صحة ومقاومة للأمراض. وهناك دراسات للمتابعة خرجت من جامعة كاليفورنيا منذ السبعينات وحتى الشهر الماضي على الأشخاص المعمرين، تشير إلى أن النوم الصحيح يأتي على رأس القائمة التي تقترن بطول العمر.
ثم تلي النوم ممارسة الرياضة، وهي عامل يساعد الجسم على النوم العميق دون قلق، ويلي ذلك تناول وجبة الإفطار، وترك وجبة العشاء، بالإضافة إلى عدم تناول الأطعمة بين الوجبات، ثم يأتي بعد ذلك ضبط الوزن، والبعد عن السمنة وعن التدخين والكحول وكل العوامل المسببة للإدمان. وقد ربطت الدراسات الإحصائية كل هذه العوامل بالصحة الجيدة، وطول العمر، وتأخير حدوث الشيخوخة وأمراضها.
النوم يعزز المناعة
ولعل الكثير منا قد مر بتجربة العدوى بالإنفلونزا، ولاحظ أن الأعراض تقل حدتها كلما استراح المريض ونام نوماً عميقاً. وبعد أن يستيقظ، وبمرور الوقت، يشعر مرة أخرى بالتعب، وحدة الأعراض، حتى أصبح من الشائع لدى كل من المريض والطبيب، أن الراحة هي أهم علاج لأعراض الإنفلونزا بلا جدال.
وقد أثارت هذه الملاحظة التساؤل: ترى كيف يقلل النوم يقلل من حدة العدوى بفيروس الإنفلونزا ويقوي مناعة الإنسان؟.
الإجابة أتت على يد د. جيمس كروجر من جامعة تينسي الأميركية، حين أثبت أن الحرمان من النوم يضعف الجهاز المناعي، ويساعد على العدوى بالبكتريا والفيروسات المختلفة، حيث يقل عدد الخلايا اللمفاوية البائية المسؤولة عن إفراز «قذائف المدفعية»، أو الأجسام المضادة للكائنات الغريبة التي تحاول أن تغزو الجسم، وكذلك الخلايا القاتلة الطبيعيةNK Cells، وهي الخلايا التائية المسؤولة عن التصدي للفيروسات والخلايا السرطانية، بالإضافة إلى نقص الخلايا الأكولة، مما يجعلنا أكثر عرضة للعدوى، دون وجود المقاومة الكافية.
وقد تبين أن عدم النوم الكافي، أو الحرمان منه، يسبب إفراز بروتين في السائل النخاعي والمخ يسمى Di – Muramyl Peptide . وهذا البروتين ينبه خلايا المخ لإفراز مادة مناعية هامة تسمى إنترليوكين –1 ، للقضاء على البكتريا والخلايا السرطانية، التي تعمل على إفراز أجسام مضادة للفيروسات من أجل القضاء عليها.
وليس هذا فحسب، بل إن هذا البروتين يسبب ارتفاع درجة حرارة الجسم من أجل تحجيم تكاثر الفيروس أو الميكروب الغريب، وهو إجراء وقائي ودفاعي من الجهاز المناعي، كما أنه يساعد - بالإضافة إلى بروتينات أخرى ـ على أن يجعل الإنسان ميالاً إلى النوم باستمرار، وليس لديه القدرة على القيام بأي مجهود، وربما يسقطه في النوم أثناء العمل، حفاظا على طاقته، كما يعمل على تثبيط الهرمونات والرغبة الجنسية أيضاً.
وربما لاحظنا ذلك عندما نصاب بالإنفلونزا مثلاً، إلا أن الشيء الجدير بالملاحظة، أن هذا النوم هو أحد الإجراءات الدفاعية التي تساعد على تنشيط جهازنا المناعي لمواجهة العدوى، وأن العلاقة تبادلية بين النوم والجهاز المناعي، فالنوم يقوي الجهاز المناعي، والجهاز المناعي يساعد على النوم عند حدوث العدوى، فالجهاز المناعي بعد أن أعلن حالة الطوارئ داخل الجسم يريد أن يدخر كل الطاقات التي يمكن أن يبذلها الإنسان من أجل مواجهة العدو.
النوم العميق مرحلة النوم العميق هي مرحلة في غاية الأهمية، من أجل تجديد طاقة الجسم كله، فمن المهم جداً أن ينام الإنسان بعمق من أجل تثبيت المعلومات في الذاكرة الدائمة، وليست المؤقتة. وهناك مثل أميركي ينصح بعدم اتخاذ القرارات الهامة، إلا بعد التفكير فيها والنوم عليها Sleep On it، حتى تنضج فكرياً؛ وتخرج بالصورة السليمة.
ولعل هذه من النصائح المهمة للطلبة الذين يحاولون الحفظ فقط، مع تجاهل عامل النوم مع قرب الامتحانات، مما يجعلهم ينسون نسبة كبيرة من الذي حفظوه، لأنه لم ينتقل إلى مستوى الذاكرة الدائمة، نظراً لقلة النوم والأرق والقلق، مما يؤثر على كفاءة وسرعة استدعائهم للمعلومة عندما يريدونها.
ومرحلة النوم العميق تمثل 20 % من عدد ساعات النوم لدى الإنسان، إلا أنها من الأهمية القصوى التي تحافظ على طاقة الإنسان، وتحسن مناعته وذاكرته، ووظائف جسمه الحيوية، وبالتالي فإن الساعة التي ينامها الإنسان بعمق، تعادل خمس ساعات من التي ينامها الإنسان نوماً سطحياً.
ولعل الذين تعودوا على نوم القيلولة يعرفون ذلك جيداً، حيث إن نوم القيلولة يجعل الإنسان يدخل مباشرة في مرحلة النوم العميق بسرعة، دون المرور على مرحلة النوم السطحي، كما يحدث في حالة النوم في أول الليل، وهؤلاء الناس إذا لم يستطيعوا أن يناموا كعادتهم في القيلولة، فإنهم يتعبون جداً، ولا يستطيعون تكملة يومهم بحيوية ونشاط كالمعتاد.
وكلما انسجمت ساعات النوم في المساء، مع توازن إفرازات هرمونات الساعة البيولوجية الموجودة بداخل الإنسان، والمنسجمة مع وظائف الإنسان ونومه بالليل، ووظائفه ونشاطه بالنهار؛ استفاد الإنسان من نومه، واستطاع أن يحصل على حظه من النوم العميق المريح، أما إذا حدث العكس، وانقلب الليل إلى نهار، فإن الجسم ينام دون أن يدخل إلى مرحلة النوم العميق، فيقوم الإنسان من نومه وهو مجهد وتعبان، كأنه لم ينم قط.
وهناك أسئلة كثيرة عن النوم، ذلك السلطان الحائر والمحير، من أشخاص يخاصمهم النوم أو يخاصمونه، وآخرين يقضون نصف عمرهم في النوم، وبعض كبار السن الذين يستعصي عليهم النوم لأكثر من أربع ساعات في أول الليل، وأحياناً أقل، ثم يستيقظون بعد ذلك.
ويكفي أن نعلم أن هذا السلطان حين يخاصمك، مثلما يحدث عند واحد من بين كل ثلاثة من الأشخاص البالغين في الولايات المتحدة، فإنه يكلف الكثير من العناء والأمراض الجسدية والنفسية، التي تكلف هؤلاء الأشخاص أكثر من 100 مليار دولار في السنة لعلاج هذا الأرق والتوتر، والأمراض الأخرى الناتجة عن حدوثهما، بالإضافة إلى أن حوادث الطريق بسبب قلة النوم، أو عدمه، ينتج عنها وفيات يومية.